شعر الثورات العلوية 61- 329هـ -قراءة فنية

تعودت الدراسات الأدبية الأكاديمية عند تقديم دراسة فنية لظاهرة شعرية أو لشعر شاعر استعمال قوالب بعينها تصبُّ فيها المادة المدروسة باختلافات بسيطة، فصارت تلك الدراسات نسخاً مكرورة لا جديد فيها سوى اسم الشاعر أو النص. ولم تعد تصلح في تقييم الظاهرة أو شعر الشاعر المدروس فنياً كما ينبغي بمنحه خصوصيته وهويته التي ضاعت بالعمومية الموحدة. فكلها يدرس (البناء الفني) و(الصورة الشعرية) و(الإيقاع الشعري)، أو (الصوت) و(التركيب) و(الدلالة)، أو غير ذلك من المصطلحات التي لا تختلف مدلولاتها، ولا تختلف نتائجها، وفي أنها لا تقيِّم الشاعر أو النص المدروس من حيث أهميته الشعرية ومستواه الفني، فكلها يخرج بنتيجة واحدة هي أنَّ شاعره أو نصَّه المدروس تتوافر فيه هذه الأمور. وهي تتوافر في كل نص حتماً، فأصبحت كالدراسات الجاهزة السهلة جداً. وإذا أفلحت بعض الدراسات الأولى وبعض المتأخرة في أن تقدم من خلال هذه الآليات تقييماً صحيحاً، فالباقيات غير صالحات في ذلك، فهي لم تقيّم هذا الشعر من حيث الحظ من الشعرية والمستوى الفني وأهميته وخصوصيته في الأصالة والإبداع. والشعر المعني بالدراسة هو الشعر الذي خصَّ الثورات العلوية منذ سنة 61هـ وهو تاريخ ثورة الإمام الحسين (u) إلى 329هـ وهو تاريخ انتهاء الغيبة الصغرى للإمام المهدي (u) والانتهاء الفعلي للثورات العلوية. وقد دار في موضوعات: رثاء الشهداء، ووصف المعركة والأبطال، ورجز المعارك، وهجاء الأعداء، ومدح الثوار، وسرد تفاصيل الأحداث، والجدل بأحقية أهل البيت بالخلافة وغيرها. وشعراء الثورات العلوية على فئتين: شعراء شيعة كالكميت، والسيد الحميري، ودعبل الخزاعي، وديك الجن الحمصي، وشعراء غير شيعة كتبوا انتصاراً للثوار أو قضية العلويين، مثل: أعشى همدان، والنجاشي، وبشار بن برد، وابن الرومي. وهؤلاء الشعراء متواجدون في الحقبة المحددة للثورات (61- 329هـ). ولا يعدّ من شعراء الثورات العلوية من تقدم أو تأخر عن هذه المدة. كما لا يعدُّ من شعر الثورات الشعر المكتوب خارج هذا التاريخ. وتكتسب هاشميات الكميت الاسدي أهمية خاصة في شعر الثورات العلوية فهي تعدّ طرازا فنيا مستقلا فيها؛ لقيامها على الجدل والتفكير الشعري، والمقارعة بالحجج لإثبات حق العلويين بالخلافة، وهو ما نطقت به الثورات العلوية بقراع السيوف. كما يكتسب الشعر الحسيني خصوصية في شعر الثورات العلوية؛ فهو كتب أثناء الوقعة وما بعدها إلى عصرنا هذا، فأول من رثاه سليمان بن قتة بعد الوقعة بثلاثة أيام([i])، وتوالى ذكره على ألسنة الشعراء. ففي العصر الأموي أشهر من ذكره سليمان بن قتة والكميــت بن زيد الاسدي. وفي العصر العباسي سديف بن ميمون، والسيد الحميري، ودعبل الخزاعي، وديك الجن الحمصي، والمعري، والسري الرفاء، وأبو فراس الحمداني، وعبد المحسن الصوري، والشريفان الرضي والمرتضى، وطلائع بن رزيك، والحيص بيص، وابن أبي الحديد. وفي العصور الوسطى ابن نباتة المصري، ومحمد بن حمير الهمداني، وعبد الرحيم البرعي. وفي العصر العثماني ابن معصوم، وعبد الرحمن العيدروس، وابن معتوق الموسوي. وفي العصر الحديث إبراهيم الطباطبائي، وابن كمونة، وحيدر الحلي، وجعفر الحلي، وعبد الباقي العمري، ومحمد سعيد الحبوبي، وهاشم الكعبي. وفي المعاصر أحمد شوقي، ومحمد مهدي الجواهري، وعبد الرحمن الشرقاوي، ، ومحمد علي الخفاجي. ونحنُ نعدُّ الشعر الحسيني الرثائي الذي كتب خلال المدة التي حددناها من ضمن شعر الثورات العلوية؛ لأن الشعراء كانوا يستحضرون ثورة الحسين ويذكرونه للحماسة والتثوير فكان ذكر الحسين من عدد الثورات. ولم يحدث هذا الشيء لثائر علوي غير الحسين. أما الشعر الحسيني بعد المدة المحددة فهو غير ثوري؛ لان الثورات توقفت ولن تستفيد منه، بل كتبوه لإحياء ذكره أو النواح الخالص عليه، ولاسيما أن ذكرى الحسين في عاشوراء وكتابة القصائد فيه كانت في وقت مبكر. وقد اخترتُ آلية فنية جديدة هي الأصلح في دراسة شعر الثورات العلوية فنياً، والأقدر على إعطاء صورة تقييمية له، وهي دراسته على ثلاث مستويات: المستوى الفكري، والمستوى البنائي، والمستوى التعبيري، كما سيأتي في الدراسة. (1) مثير الأحزان: 88.